الجسور مستحيلة

( هذه القصة حائزة على جائزة الكاتب”عبد الحميد بن هدوقة” في القصة سنة 2003)

” الحضارة القصوى تنتج البربرية القصوى”

                                                                                              (لاروشيل)

     حين التقيته ، لم يكن في رأسه غير هدف واحد: كان يريد أن ينشئ فرقة موسيقية تحدث الالتقاء بين الموسيقى العربية و الموسيقى الكلاسيكية الغربية و موسيقى الجاز ذات الأصول الافريقية.

و كان قد وجد لها اسما:” الجسور”

كان يقول لي متحمسا :” أريد أن ألم شعث الموسيقى عبر العالم…أريد أن أؤسس لنوع جديد هو خلاصة الشرق و الغرب معا في الابداع الموسيقي.”

فقلت له يوما : أنت تريد اذن أن تنجح حيث فشلت السياسات…لعل الأمر مستحيل.

رد وكله عزم و ثقة:” بالعكس ، الأمر ممكن …السياسات فشلت لأنها قائمة على الكذب و النفاق و المصلحة ..الموسيقى ستنجح لأنها قائمة على الصدق والمتعة المقتسمة “.

أعجبني الزخم المشاعري فيه ، و تلك النظرة الفوقية الى العولمة التي لم يرد أن تستهلكه و تجعله مضحكا أمام نفسه و لو كان نجما أمام ملايين المستهلكين .

كنت أقدر فيه كثيرا تلك القيم الشرقية التي نفتقدها في الغرب.كان حين يحدثني عن قريته الصغيرة في القدس، أرى القدس في عينيه وطنا ..مرارة..منارة..أرى القدس في عينيه على بعد خطوة أو خطوتين .

كدت أحبه.. أم أقول أنني أحببته.

الأكيد أنني أحببت سحر الشرق في عينيه.

رائحة الدفء في أحاديثه كانت تحول أمامي بهرجة نيويورك ، أضواءها ، صخبها ، دورانها الذي لا يهدأ الى سجن خانق ، شيء لا معنى له ، شيء يابس له طعم الرماد.

كان يبهرني و هو يقول : ” في ليالي الشتاء كنا نتحلق حول الوالد قرب الموقد ..الجمر متوهج في قعره.. الحب متوهج في قلوبنا..البرد ..الجوع ..الخوف ..التشرد ..وعيوننا عالقة بوجه ذاك الذي كان يخرج نايه و يعزف لنا أحلى الألحان حتى ننام في حجره أو على ركبتيه أو في قلبه لتأخذنا الوالدة و تصففنا على حصير تتماس لحومنا فوقه حتى نشعر بالدفء فننام نوما هادئا عميقا “.

كنت أستمع اليه و أنا مسحورة به.

و شيئا فشيئا أصبح جزءا من حياتي.

فمع أنه ولد و أينع وسط الخرابات الا أن نفسه لم تكن خربة، بل كانت تنبسط على مساحات خضراء تعطي للمرء احساسا بالنقاء و الصفاء.

و مع أنني عشت في مجتمع الرفاه الذي ” باركه الرب ! ” الا أن شعورا مزمنا كان يلازمني.. كنت أحس في أحايين كثيرة أنني خربة النفس ..خربة..و كنت أشعر بالفراغ ..بفراغ شاسع يتجسم في شيء أرتطم به في ليالي الوحدة و الصقيع.

و ملأني…

لم يملأني أحد من قبل ..حتى دافيد كنت أحس أن علاقتي به شيء له مذاق الملح حتى و نحن نرتشف السكر..كنت أشعر أنه يفرغني..يفرغني تماما و يتركني عارية كوردة في حقل ملغم.

أما هو ..هو احتواني ..ضخ في كياني كله شعورا بالامتلاء بشيء جميل ، دافىء جارف حتى البكاء.

هو لفني في أنوثتي و أحرق عندها البخور و الريحان ..

ووجدتني بين ذراعيه امرأة مكتملة ، منتمية ، مرتوية..

شعرت أنني مع رجل مختلف..رجل من أرض أخرى لا زالت عذراء..ولا زال عشبها أخضرا .. شيء فيه  يصعب أن أضع يدي عليه شدني فيه ..مروءته ، أم عمقه ، أم صدقه،أم كل هذا معا .. لست أدري..

لم أكن أبالي من قبل بالعرب ..بل ما كان يهمني أن أعرف عنهم قليلا أو كثيرا. و لم أكن متدينة لأهتم بدينه ..باسلامه.كان ما يهمني فيه أنه فنان و كفى.فنان لمس في شيئا لم ألمسه أنا في نفسي.

اكتشفت معه بعدا آخر في انسانيتي و بدأت أخرج من لامبالاتي ، من التنميط الذي مس روح الحياة فينا ، من تلك الدائرة الجهنمية التي كنت غارقة فيها كالجميع.

قال لي يوما:

  • أنت محظوظة اذ تتمتعين بحرية لا يمتلكها كل البشر..هناك في كثير من البلدان من تحسب عليه أنفاسه.

أجبته بصدق:

   – و أنت محظوظ لأنك متحرر من الجاذبية الأرضية..كلنا هنا تفاحة تسقط الا أنت.

أحببته؟ !..

أكان يمكن أن لا أحبه ؟ !..

الأكيد أنني أحـببت بحثه الدؤوب عن تلك التوليفة التي تمد الجـسور بيني و بينه لتونع الجمالات و يتبرعم الحب الذي جرفه الطوفان.

أحببت التعويذة التي كان يحاول أن يبتدعها ضد السقوط الانساني الحر..

أحببت أصالته و اعتزازه بعرقه حتى جعلني أرى سلالة البشر متعلقة بما يخرج من سحيق أوتاره.

كلمني عن زرياب ..عن الاندلس الضائع ..عن الحضارة التي ولت بعد أن أنارت ..أحببت قرطبة ..دخلت قصر الحمراء..عبرت الى جبل طارق..رأيته يحرق مراكبه  و بكيت مع عبد الله  و هو يخرج من غرناطة ..” ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال” قالت أمه فمددت يدي و جعلتها على فمها اشفاقا عليه.

     و رأيت الدنيا حديقة ورد و ألوان و نجوم تلمع فمنحته تفاصيل أنوثتي كلها حتى و هو يبخل علي بتفاصيل رجولته.

كنت عارية أمامه و كان مبهما أمامي..كان عقله متفتحا و منفتحا ..و كانت نفسه مغلقة على سرها..أو على قدسها..

كنت أحس و أمريكا تنشر أمامه أضواءها أنه مقبل عليها بجسد روحه تختبئ بين أسوار مدينة في الشرق البعيد..هي قلبه بل هي كله.

لم يكن لي..لم يستطع..

ولم يحاول أن يمتلكني أو أن يحبني.كان مغرقا في بعده عني حتى وهو بين أحضاني. ثم كانت القطيعة و الثالث المعلوم يعلن عن نهاية اللعبة.

وسط  الخراب ..؟

التقيتها في صالة سينما…

كان الفيلم الأمريكـي كجل الافلام الأمريكية عن الحرب يؤله عبقرية الأمريكـان في فنون القتال و استراتيجيات الكر و الفر. لكنه كان ملفوفا في مسحة من الجمال .و كان الابطال يسبحون في الدم و في الحب.

و حين اقترب الفيلم من نهايته صعد منحنى الدراما و صعدت معه أمواج القلب حتى الذروة، فامتدت يدي و قبضت على يدها المستسلمة في ارتعاشة خفيفة على متكأ المقعد.

سحبت يدها …

نظرت الي و العتمة تغطي على شيء في الأحشاء..نظرت الي نفس النظرة الأولى و نحن ندلف الى القاعة الفسيحة.

هل رأت سحر الشرق في عيني ؟

هل رأت وهج الثورة المكبوتة منذ الميلاد؟

هل لمست في أعماقي ذلك الشيء المختلف جدا عما حولها و المغرق جدا في حزنه ؟

نظرت اليها و قد هزتني المشاهد الجميلة في الفيلم و حركت في شيئا خفيا..شيئا لذيذا.

لكنني لم أكن أبحث عن أنثى..ما في أكبر من أن تحتويه امرأة.

و مع ذلك في نهاية الفيلم خرجنا و جرأتها قد أخذت حيزا من اعجابي. و ذلك الشيء الغامض في على حد تعبيرها قد أخذ مكانا من اهتمامها.

و نحن في الطريق قالت تسأل :

  • هل أنت عربي ؟
  • أكاد !..و هل أنت أمريكية ؟
  • أكاد !..

كان انتمائي يملؤني و كانت الخيبة الكبرى هي هذا الوعاء العربي الشاسع الذي ينضح بالبؤس ..بكل البؤس.

كان في انتمائها فخر يشوبه ضباب يتشكل تارة ثورة و تارة ضياعا و تارة خوفا من شيء خلف الضباب.

كنا مختلفين و كنا ضائعين في اتجاهين مختلفين ..

و مع ذلك تعايشنا.

………

     جاءتني ذات يوم و القنوات الفضائية في العالم كله تبث صورة طفل يموت في حضن أبيه تحت وابل من الرصاص الصهيوني..قالت و الدموع في عينيها :

  • أنا حزينة ..حزينة جدا ..
  • لست أكثر حزنا مني ..ان ما يحدث شيء غير معقول.
  • لا أدري كيف سيكون حاله .

قلت أكلم نفسي :

  • سيلملم جراحه و يعلق ابنه نجمة في سماء العالم تشهد على ضياع الانسان و سيمضي وحده، فالجميع غارقون في وحلهم حتى الذقن.
  • عما تتحدث ؟- سألت و لم تفهم-
  • عن محمد..
  • من “محمات “؟

استفقت من ذهولي..قلت أسألها :

  • عفوا ..ولكن لماذا أنت حزينة ؟
  • ” فوكس”، كلبي مريض و البيطري يقول أن به مغصا في المعدة ؟        

نظرت اليها كأنني أراها لأول مرة.

كانت حزينة ..حزينة حقا . حتى متجرها الذي تبيع فيه أفخر أنواع أغذية الحيوانات لم تفتحه في ذلك اليوم اكراما لكلبها.

و رأيت المحيطات التي بيننا ..رأيت المجرات..رأيت المستحيلات..

و انخرطت في مزاح  مر ..قلت :

  • لعله مريض من التخمة ..لا تخافي عليه ..خففي الجرعات فقط و سيشفى.

و شفي الكلب صديقها الذي أصبحت صديقه ..

كثيرا ما خرجنا ثلاثتنا نتنزه في تلك المساحات الخضراء التي لم تأت عليها الفوضى كما في مدننا..الاحترام هنا لكل شيء ..لكل شيء الا ل…

و مضت بنا الأيام و كلبها في حضنها و محمد نجمة في سمائي تضيعني فأهتدي بها..و أحترق بضوئها وحيدا..وحيدا..

مضت بنا الأيام يكاد يحدث شيء بيننا و لا يحدث..

لا أدري لماذا كنت كلما اقتربت منها وجدت في داخلي شيئا يصدني عنها..

كانت مغرية جدا كتفاحة ناضجة..كأمريكا..فكنت أحلم بها ..أداعبها..أتودد اليها..فاذا ما حانت اللحظة الحاسمة وجدتني بآلاف الأميال بعيدا عنها..

كان شيء كالجدار …

كان شيء خلف الستار…

كان يلازمني احساس بأن علاقتنا على خط الانحدار…

……..

و اقتربنا…

ذات لحظة ضياع…ذات لحظة غضب..

كسرت الجدار…

مزقت الستار…

جئتها كالاعصار…

و كان في تساكننا شيء يشبه الخروج عن قوانين الطبيعة..عن المدار…

دحرجتني في الوهم شهورا…

و كان الوهم لذيذا أنا المسكون بالأوهام منذ فجرالخليقة حتى قلت كما قال “جون سيناك” :” كل الشمس ممكنة “.

أخطأت ..أخطأت ..نسيت أن القلوب ههنا ليست مشمسة..

 في زخم الوهم و الوهن دق باب الشقة ..فتحت ..تبسمت..بين ذراعيه سكنت..ثم أدخلته و قالت في ضحكة غير مفتعلة:

  • دافيد..أقدم لك صديقي الجديد !

بهت !…

ذهلت !…

كان يلزمني شلال من الماء على وجهي لأفيق..

كان يلزمني الكثير من برودة الدم حتى لا يخرج شيء مما يعتمل في الداخل على السطح.مددت يدي في انكسار أسلم على القادم الذي لم يبرح المكان القديم.

بعدها عرفت أنني في عمق معادلة لا تحل الا بالغاء أحد عناصرها :

امرأة و رجلان…

أو عربي و يهودي و حلم…

أو شرق و غرب و ما بينهما…

هو الثالوث الذي لا يلتقي الا و حلت الصواعق..

هل أرجع الى صامويل هنتنغتون أم الى فوكوياما أم الى بول كينيدي لأحلل ، لأعرف  لأتمكن من الرؤية ؟ أم وحده الواقع  هو المنظر الأكبر لجمع المستحيلات؟.

الجذور  مختلفة و الجسور ترفض الامتداد على أشلاء الانسان…

العولمة هي الثابت في زمن التغيير ..السرعة كاسحة و الوقوف ممنوع ..الوقوف تراجع ..الوقوف قاتل.

و كان يجب أن أتحرك ضد موجة التوتر العالي في ذلك الحيز الذي أحسست فيه بالاختناق.

فخرجت و تركتهما..

عند الباب كسرت شيئا لن يعرفاه أبدا..

تركتهما و أنا في دوار..

تركتهما و العالم في دوار ..العالم حقل ملغم السير فيه انتحاري لمن لم يتمرس على السير في حقول الألغام.

خرجت و أنا أضحك ! أضحك ! أضحك !

كان الثلاثاء يوما استثنائيا…

كان على موعد مع الحلم ..مع تحقيق الحلم…

نهض باكرا…

الصباح عادي ككل الصباحات النيويوركية الملفوفة في ورق الهمبورقر أو المعلبة في قارورات البيبسي و الكوكاكولا…

التفاحة الكبيرة معلقة على شجرة العالم تثير الرغبة و النهم…

نيويورك سابحة في سرعتها ، في ضوئها، في طموحاتها…

أيلول في يومه الحادي عشر يريد أن يثبت قليلا ، ألا يمضي سريعا هكذا كأنه لم يكن…

ماذا لو توقف الوقت قليلا ؟..

ماذا لو توقف الناس لحظة ؟..

ماذا لو توقف الدوار ؟..

أي شيء ستصير المدينة ؟..

أي شيء سيصير العالم المعلق بأهذابها ؟..

لعل أحدا لم يفكر في هذا..

لعل السؤال ما خطر ببال شخص قط.

لا خطر بباله و هو يستقبل يومه كالعادة هائما في موسيقاه ، غارقا في جمع ما لا يجمع . و لا خطر ببالها و هي تستقبل الصباح مع زبائنها الذين يحبون الكلاب كثيرا.

     كان متجها الى معهد الموسيقى و قد حل موعد الحفلة التي سيمد فيها الجسور رغم كل شيء…رغم كل شيء…

ليال بيضاء قضاها منكبا على نوتاته وايقاعاته حتى وجد أخيرا التوليفة المستحيلة التي طالما حلم بها.

كان يسير و كأنه يطير.. سيعزف اللحن الجديد ذلك اليوم..سيعرض المستحيل الممكن و يدخل به التاريخ..و سيهديه لأطفال العالم، فهم حلمه في عودة الحب الضائع الى العالم.

و زلزلت الأرض زلزالها !!!

فجأة ..بغتة..على حين غفلة..سقطت التفاحة الكبيرة..

سليلة الابراج غاصت تحت الأبراج…

العالم الدوار توقف مذهولا…

أهي خرافة؟..

أهو مشهد هوليودي من فيلم خيالي ؟

أهي أمريكا…أمريكا التي  تبكي..تخاف..تنظر مشدوهة ذات اليمين و ذات الشمال

الطيبون في العالم ما صدقوا..كلا هم ما صدقوا..

النافخون في الرماد استعذبوا رقصة النار..راحوا يضيفون الزيت على الشرر المتطاير.. أشاروا اليه بأصبع الاتهام..قالوا: عربي يحلم بأكل التفاح ..انها جريمة لا تغتفر !

أغلقت متجرها..ضمت كلبها..هتفت له في حيرتها..أنسيت أن اليوم  يومه؟ أم تراها لم تكـن تعلم و قد فصلته عن ذاكرتها حتى تلك اللحظة.

رن الهاتف ..رن..رن.. لا مجيب ..”الموبايل” مطفأ أيضا و كانت بحاجة اليه فوحده كان يمكن أن يزيح عنها كل الاشباح.

و دافيد ؟..الآخر..أين هو ؟..تساءلت بعد ذلك تكرارا…

غاص في كواليسه مرة أخرى …

لم يقل لها أنه يقيس المسافة بين الجرح و الملح …

 لم يحدثها عن هوايته في عد الجثث…

 لم يكلمها عن العبوات الناسفة تحت الجسور…

لم يخبرها أنه بعث برقية الى “نيرون” ليعرف أي لحن يعزف حين المدن تحترق…

و سيعود بعد أن يسكت كل شيء ليركن الى جانبها كالفقاع.

     هكذا في لحظة معقدة ، هاربة من أجندة الزمن ، وجدت نفسها و قد انهار كل شيء حولها في مدينتها ، في عالمها ، في برجها، كما انهار كل شيء في حلمه، ذاك الذي كان على موعد مع الحب فوجد نفسه في دائرة الحقد.

بعدها تغير كل شيء كأنه بفعل ساحر…

ساءت الأمور أكثر..هي لم تعد هي..و هو لم يعد هو …

اتصل يطمئن على حالها بعد الفجيعة فصدته بقسوة ..لماذا ؟

بعدها أصبح يدري…

بعدها كان الخوف هو الحاضر الأكبر ..و كان الضباب و الشك، و النظرات الزائغة ، و الدهشة أمام النظريات المتكسرة على جدار الواقع الجديد…

بعدها كانت أفغانستان !!!صارت افغانستان !!!

بعدها انفلت العقد..الاسطورة في الطين ..الشرق يزيد بعدا..الغرب يزيد صقيعا.. الارتفاع لم يعد ممكنا.

و قبلها التقته صدفة في الطريق العام و الفضاء مشحون بشيء أسود، ثقيل ، متمدد..

 أعطته صفعة على وجهه…

لم يفهم..زادت الثانية على الخد الآخر…

بهت..حاول أن يفيق ..أن يستفسر..نزلت بيديها تخبط على صدره وكأن بها مسًّا من الجنون. أمسكها.. أفرطت في خوفها.. أفرطت في غيّها.. تمادت في عماها .. صاحت تؤلب عليه الزمـان و المكان.

حين حضرت عناصر الشرطة و تفرست في ذاك الخارج من…من التاريخ اقتادته ذليلا ، مهانا ، متهما : هذا ارهابي !…بل هو الذراع الأيمن لأسامة !.. قالت القبيلة.

ألم يقبض عليه متلبسا بمدّ الجسور المستحيلة ؟ !

لفّوه في ألحانه كما يلفّ الميت في كفنه..قطعوا  أوتاره..نسفوا جسوره…

عرّوه ..عرّوه  تماما  و أمعنوا في العقاب…

وحده الكلب في وفاء خرافي ظل بعيدا لا يريد أن يدخل حيّز العنف و الجريمة !

أمّا هو فانطوى على نفسه ، على قدسه ، على تهمته الجميلة…

في قوقعة مظلمة، في رقعة مهجورة، نائية، عارية، كان بإيقاع جنائزي يردد :

“هذا زمن الحق الضائع …

لا يعرف مقتول من قاتله

و متى قتله”.

كان ظلّه يتلاشى…

و كان معلقا على صليبه و تراتيل حزينة آتية من الحواضر العريقة البعيدة التي ستسقط بعده تحت القنابل العنقودية والخـيانات التاريخية في مشهد فجائعي مفتوح على الدم و الدموع و الاشلاء الانسانية…

 وسط ديكور أسود ..أسود..أسود…

انتهت و المشهد لم ينته…

جيجل/أوت/2003

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *