شهريار…و امرأة من ثلج

     الليل والوحدة وأوجاع السنين…

 وأنت قابع في غرفتك تجتر عذابك تتقيأ مرارة الأنين .

من قال لك اعترض طريق غجرية تلتحف الضياء وتضاجع أنوار العلياء؟

من علمك احتراف الكذب على خط” موريس” الفاصل بين جنة حبها وجحيم قسوتها ؟

من لقنك طقوس حب لاتنفع مع امرأة في بياض الثلج ؟ .

     الليل والوحدة وأوجاع السنين…

وأنت الى صدرك تضم طيفها ..

 تعانق ذكراها ..

 تستحضر ابتسامتها..

تتذكر يوما من الأيام التي لا تجد مكانها في الفصول…يوما ليس كالأيام قلت لها فيه :

  • أحبــك !
  • ……..
  • غدا سأدون نفسي في سجل المواليد الجدد…
  • غدا اذن أقوم بحرق سجلات الحالة المدنية.
  • لم يا امرأة ليست ككل النساء ؟…
  • لأن حبك لي ولادة وحبي لك انتحار…أنت جسد بلا روح وأنا روح هائمة يحبسها جسد. أنت تأخذ روحي فتحيا وتعيش ، وأنا ان فقدتها أموت…أندثر.
  • هذا يعني حبك لي…
  • هذا يعني امكانية فنائي فيك…لكنه فناء بشروط…عليك أن تسمو الى مستوى الروح البلورية التي غرستها فيك…ان سقطت استعدتها وخلفتك حطاما .فأنا لا أقبل بأنصاف الرجال.
  • هذا امتحان صعب..أنا بشر.
  • و أنا كأغلب النساء…لاأغفر للرجل السقوط…و في الحب لا أعترف له بالخطأ…

واليوم هأنتذا تحترق وحدك !

تصرخ في رجولتك !

و في صمت رهيب تلعن نفسك !

اليوم أدركت أنك وقعت من قمة ” افريست” الى الحضيض الأسفل …

اليوم أدركت أن اللعب بالنار خطر…وأنها امرأة من نار تكون بردا وسلاما على الصادقين

و تلسع الساقطين …

قد استرجعت روحها المخدوشة فاذا أنت جسد بلا روح…واذا أنت بلا وطن…ضائع أنت على خريطة الحنين.

      قد قالت لك يوما وأنت تتأمل جمال الخالق في عينيها وشساعة الأمل تبعث فيك اقداما على الحياة.

أنا امرأة من زئبق لايمسكها الا عاشق مجنون…

أنا امرأة من شمع يذيبها لهب دافىء…حنون…

أنا امرأة من ثلج تستحيل جليدا أمام جسد محموم…و تتبخر نسمة في الأثير أمام قلب كسير.

أنا الحب…أنا الصدق…أنا الحنان…أنا الربيع…

وأنا الثورة…أنا القسوة…أنا الصخر…أنا الشتاء…

وعلى شفرة حادة رقيقة فاصلة بين هذين العالمين تقف أنت تنوء تحت أثقال ماض مريع وحاضر قاس ومستقبل ضبابي فاحذر السقوط.

أنت تعلم الآن أنك أسأت تقدير الأمور…وماذا ينفع لومك نفسك الآن ولسان حالك يردد”لقد

أحالت قلبها نهرا ثجاجا وقالت لي اغتسل من أدرانك وأنا لك…عمري لك…حبي لك…كلي لك..” فلم أخطأت يا أنا…يا رجلا تعيسا من كثرة تقتيله النساء…قتلته امرأة…لماذا ياشهريار؟ لماذا ؟…”

     الليل والوحدة وأوجاع السنين…

ودموعك تنسكب على نار أضرمتها وعجزت عن اطفائها …

فترة تمر وأنت عبثا تحاول مسح الدموع…تكتم شهقاتك بالوسادة…تنهض هائجا…تذرع الغرفة جيئة وذهابا مهزوما كأنك فارس عائد لتوه من أعتى المعارك..

تخرج…لااراديا تدخل غرفة ابنتك الوحيدة…نائمة كملاك…

ما أجملها  البراءة !

تتأملها طويلا…ما ألطفها وهي نائمة !

بعد سنين ستصبح شهرزاد المدينة…جميلة كأبيها…طيبة كامرأة عشقتها يوما ولم تحفظ ودها…لم تصن روحها ..

تستكين…تغطيها بحركات أم لم تعد موجودة…تفتح عينيها…تبتسم لك:” أبي ! أحبك !” ..تغمضهما من جديد وتغفو..يا للضياء الذي انتشر في الغرفة !

تفتر شفتاك عن كلمتين..”وأنا أحبك”.

وتخرج من الغرفة…

الى أين و الدنيا ظلام و القلب خراب؟

تغتسل وتتوضأ وتصلي ركعتين…

في جوف الليل وأطياف السكينة تحوم حول المدينة تعانق أنت عالم البراءة والطهر والحب السرمدي..

تقول في نفسك:” قد اغتلت بسمة رسمها الله على شفتي…قد طعنت حبا سكنني ولكنني سأكون كما أرادت شهرزاد أن أكون…برغم هجرها…برغم بعدها…برغم الآه الساكن أعماقي سأرتفع اليها…سأكون مثلها من أجل ابنتي…من أجل طيفها…من أجل الانسان القابع في أعماقي…لن أكون بعد اليوم الا انسانا وسأصلي ركعتين كلما تذكرتك …يا امرأة رائعة !”

(من المجموعة القصصية : ربما انا وحدي المعجزة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *