ما الفائدة من صومك؟

هل أنت صائم؟

هل تصوم بسلاسة و يسر أم انك في معركة يومية مع أمعائك و اعصابك ؟

و لماذا تصوم ؟ خوفا و طمعا أم تقليدا سنويا متوارثا أبا عن جد؟

هل حدث و سألت نفسك لماذا فرض الله و شدد على ضرورة صوم شهر رمضان ام أنك تراها عقوبة دنيوية تعدّ الأيام الباقية يوما بعد آخر لتواسي نفسك بقرب انطوائها؟

أليس الله في غنى عن احساسك بالجوع ؟فلماذا اذن يريدك ان تجوع؟

كثيرا ما تناول الحديث عن شهر رمضان مقاصده الشرعية و دقائقه الفقهية فأطنب الدعاة و الوعاظ في شرحها و الإحاطة بها من كل جوانبها و هذا في حدّ ذاته شيء طيب و مهم ، لكن قلة من تناولوا مقاصده الكونية بالبحث و التحليل . و غالبا ما كان المتحدثون يتوقفون عند قول الرسول صلى الله عليه و سلم “صوموا تصحوا” و لا يتعدّوننه لتعريف الناس بالمنافع الصحية التي يجلبها الصيام لجسم الصائم ، كيف يداويه الجوع و يعالج أسقامه ، كيف يبلسم كلومه الداخلية و ينقي أعضاءه الحيوية من السموم التي تجرحه و تكبح أداء وظائفه لا سيما و نحن طول السنة لا نفتأ نزدرد كميات هائلة منها مع كل وجبة لا تأخذنا شفقة أو رحمة بأجسادنا التي تنوء و تصرخ دون مبالاة منّا، بل نستمر في اتباع شهوتنا في ابتلاع ما لذّ طعمه و طابت رائحته حتى و لو كان فيه هلاكنا .

و الغريب في الامر أن نتمادى في غيّنا ضد أنفسنا لنجعل من شهر الصيام المؤسّس على حكمة الجوع شهرا للموائد الدسمة و ما تحويه من صنوف الاكل و من اطباق جلّها تزيد الطين بلّة و تدكّ اسوار الصحة دكًّا دكًّا فكأننا في غنى عن هذه الصحة التي ما أن نشعر بتضعضعها حتى نولّي وجهنا شطر العيادات الطبية و المستشفيات ، و لكن هيهات هيهات فلا يصلح العطار ما افسده ليس الدهر هنا و انّما نفس الانسان الامّارة بالسوء المتكالبة على قضاء وطرها من كل ما يغريها دون مراعاة للعواقب الناتجة.

الادهى أنه حتى حين تقع” الفاس في الراس” لا يتوقف المريض حتى لمساءلة نفسه و مراجعة نظامه العذائي ليعرف الخلل و مكمن الداء . و قليل من الأطباء من يسأله عن هذا الجانب فهم يسارعون الى معالجة الاعراض ووصف الدواء الذي قد يخفّف من حدة المرض وتختفي الاعراض مؤقتا و لكن لا يستأصل الداء جذريا من الجسم الاّ بالقيام بتغيير جذري للنظام الغذائي المتّبع و اتباع نمط عيش صحي هو وحده الكفيل بإعادة الصحة و العافية الى الجسد المريض. و قد تكلم في هذا الشأن مرارا و تكرارا بعض العلماء و الأطباء ذوي مكانة علمية رفيعة و رصانة فكرية لا غبار عليها مثل خبير التغذية الدكتور الفاضل، الفذّ محمد الفايد الذي أورد هنا احد فيديوهاته في هذا الشأن  

و الطبيب الجراح اخصائي السرطان الدكتور Henri Joyeux الذي بعد أن عرف ان السبب الرئيسي في الاصابة بهذا الداء يكمن في النظام الغذائي المتبع نذر نفسه لتوعية الناس بهذا الامر .

وهناك دراسات غربية تناولت التأثير الإيجابي لصيام المسلمين على الصحة ومنها هذه الدراسة التي اجراها فريق بحث بكلية بايلور للطب بالولايات المتحدة الامريكية و التي نشرتها مجلة “Journal of Proteomics”.

كما تفطن الى منافع الجوع و قدرته على علاج كثير من الامراض التي استعصت على الدواء الكميائي كثير من الخبراء في العالم الغربي فأسسوا و فتحوا مراكز للتداوي بالصيام

الطامة الكبرى في البلدان الإسلامية  و فيها أهل الصيام هو سوء افطارهم فما يكسبه الجسم نهارا يفقده ليلا فيذهب نفع صومهم هباء منثورا فكأنهم لا صاموا و لا جاعوا من الناحية الصحية ، و خير دليل على ذلك أن ما تعجّ به الأسواق في شهر رمضان هو بالذات المنهي عنه صحيا نهيًا باتًّا لما فيه من خطورة بالغة. فما يشتهيه الناس من (زلابية ، قطايف ، قلب اللوز، شامية ، حلويات و مرطبات…) هي كلها قنابل مدمّرة للصحة اذ تتكون في أساسها من سكر مكرر و دقيق ابيض (فرينة نزعت منها النخالة التي هي مكون هام فيها) و زيوت مصنعة (زيت المائدة ، مارغرين ، سمن نباتي…) و هذه المكونات بالذات لا يفتا خبراء التغذية من التحذير منها و كأنها أسلحة دمار شامل لصحة الانسان.

فاذا اضفنا طرق الطبخ الخاطئة و اواني الطهي التي تستعمل رغم خطورتها كأواني الألومنيوم التي منعت في كثير من البلدان الغربية و أواني البلاستيك التي لا تخلو منها مطابخنا و التي نخبط في استعمالها خبط عشواء دون مانع أو رادع مستسهلين الامر و هو جلل اكتملت دائرة الإرهاب الذي نمارسه على أجسامنا المسكينة  فهذه التوليفة من السلوكات الخاطئة في مشربنا و مأكلنا تميت على نار هادئة الحياة في أعضائنا الداخلية دون ان ندري أو نشعر بمدى الخراب الداخلي الاّ بعد فوات الأوان في كثير من الأحيان . و لعل الأرقام المهولة لمرضى السرطان و امراض القلب و الشرايين و غيرها من الامراض المعروفة و غير المعروفة خير دليل على ما يفعله الناس بأجسامهم من منكرات ، فالكثير منا فيما يخص مجال التغذية الصحية جاهل ، جهول ومدمن جهل لأنه لا يحاول حتى أن يسأل ليعرف ما ينفعه  و ما يضره  و لو كانت هذه المعرفة مسألة حياة أو موت له و لعائلته، فالكسل الفكري و اللامبالاة ضاربان بأطنابهما في مجتمعاتنا الإسلامية المصابة بداء الاستهلاك لكل ما تنفثه المصانع هنا و هناك و تطبخه المطاعم و محلات الاكل السريع” fastfood “طول السنة ليحل شهر رمضان كفرصة لإعادة تأهيل اجسامنا و تنقيتها و ضبط ساعتها البيولوجية من جديد لتكمل مسيرة الحياة بسلام غير أنهاا فرصة ضائعة عند الأغلبية فكم منا يدرك هذه النعمة و يتحرّى مقاصدها بتفكر و روية و يداوي من خلالها نفسه المتعبة و جسده الخائب لاسيما بعد زوبعة كورونا و ما خلّفته لنا من اسقام و عياء و اضطرابات داخلية لا يعلمها الاّ الله.

ومن دواهي هذه الامة هو هذا العمي المزمن الذي لا شفاء لها منه ، ففي الوقت الذي يعود فيه الغرب للحثّ على اعتناق نظام غذائي صحي و زراعة خالية من المدخلات الكميائية نتجه نحن في بلدانها الى اتخاذ نمط العيش الغربي كأسلوب حياة ظنّا منّا أنه أحسن و أرقى من أسلوب جداتنا و امهاتنا اللواتي عمّرن طويلا و هن بصحة جيدة لم يزرن طبيبا و لم يعرفن دواء انما كان عيشهن بسيطا و مأكلهن و مشربهن صافيا ، نظيفا، رائقا.

في الأخير “ايبوقراط” لم يخطئ و هو أب الطب حين أكد أن الداء في الغذاء و الدواء أيضا في الغذاء و لكل امرئ جزاء ما أخذ الى معدته في نهاية المطاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *