لمن يهلّ العيد؟

يوم 02 ماي 2022 ،أول شوال 1443.

     غائب هو العيد رغم ميقاته المعلوم .. غائبة رائحته الطيبة و بوادره المعهودة و تباشيره التي طالما انتظرناها صغارا و هلّلنا لها و البهجة تنزّ منّا من الرأس الى اخمص القدم.. داكنا محيّاه اليوم .. مقيدة ابتسامته و هو يطلّ علينا مكرهًا كأنه يرفض أن يلقانا أو يلاقينا، فهو يعرف أن الخندق الذي حفر بيننا و بين الأعياد كبير ، هو يعلم أيضا أن السد الذي أقيم بين بعضنا البعض أكبر من قدرته على لمّ الشمل و الحث على الغفران ونزع الأحقاد التي تجذّرت و الضغائن التي تورّمت و ردم الهوة التي اتّسعت بين الاحباب و اصلاح ذات البين بيننا و بين الدنيا برمّتها و قد تنكرت لنا و قلبت ظهر المجنّ لشخوصنا البائسة.

فلماذا لا يتنكر لنا العيد وقد تشعّبت بنا الطرق وكثرت مآسينا وتناسلت حتى لجأنا الى النسيان نحتمي به لا اراديا من آلامنا وانكساراتنا.

لمن اذن أقدم التبريكات بالمناسبة "السعيدة"؟

لمن أقول صح العيد أو عيدك مبارك ؟

   أتلفّت ذات اليمين فلا أجد غير الخواء ، و أحوّل وجهي ذات اليسار فلا أرى غير الغبار و ذرّاته العالقة بين الأرض و السماء لا مستقر لها و لا مقام. و عبثا أبحث حولي عن أثارة من فرح فأمدّ الخطو بفكري موسعة دائرة البحث في البعيد من شتات الامة الحالك ليلُها من المحيط الى الخليج و لها في الفؤاد ألف هاجس و هاجس فأضيّع ما بقي من نفسي في البحث عمّا منها هو ضائع ، ثم أعود و قد ضللت الطريق الى نقطة البدء و العيد الحاضر غائب .

    وأنا أرفع مرساتي وألقيها في بحر لجيّ من أفكار وهواجس وعلامات استفهام عقيمة تأتيني من آخر الزقاق أصوات أطفال لم يعودوا يرتادون الأزقة ويلعبون فيها كثيرا منذ ان "تعولمت"طفولتهم و أصبحوا يولدون مع هاتف نقال و شريحة الكترونية و يتصلون بالوالدة في الرحم عبر "الفايسبوك" ليعرفوا منها موعد المخاض المرتقب و يعطوها موعدا لإكمال "الشات" في العالم الأرضي.

    وصلتني اذن أصوات أطفال ليسوا كُثرًا ، أطفال لا يعرفون المرح كثيرا ، أطفال كبروا قبل الأوان ، فأشعر بحنان جارف ، يكاد يشعّ في نفسي قبس من أمل ، يفترّ ثغري عن خيال ابتسامة و تندّ عن لساني هذه الكلمات :

صحّ عيدكم يا أطفال وكل عام و أنتم عن "الفايسبوك" أبعد و الى البراءة أقرب و عن حمق الكبار في مأمن !

صحّ عيد اليتامى منكم و الموجوعين !

صحّ عيد المرضى و ذوي الاحتياجات الخاصة و مبتوري الافراح !

 صحّ عيد مدمني الاحزان والمحرومين والمظلومين والرافعين رؤوسهم الى الرحمان.

 صحّ عيد الصالحين والمصلحين والمرابطين في كل مكان على جبهة الفجر ليعلو جوهر الإنسان ويسقط مكر الشيطان !

صحّ عيد الطيبين والمعذبين بطيبتهم على أرض الله الواسعة التي ضاقت بالإنسان من قسوة الانسان !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *