مقتطف من قصة “رجل و ذاكرة”

     أنت و القلم و العذاب الثالث المستتر…

 و تلك الاوراق العذراء تداولها بين يديك كأن ثقلها أكبر من طاقة ذاك الجسد…

و هاتيك الدروب تتأوه تحت قدميك اللتين تدبان عليها في وهن…

تعبت من حمل هذه الأوراق …

تعبت من التسلح بذلك القلم في كل جولاتك مذ عرفت علاقة العشق المرغوب بين الحبر و الورق. و لعلك تعبت من ذلك الرأس الذي يحمل الدنيا هما و يحمل جرجرة حبا.

تريد أن تكتب ؟

ماذا ؟

كتبت عن كل شيء:عن المدينة … عن القرية … عن المرأة …عن الرجل… عن مجتمع ماعدت منه وما عاد يعرفك…

وعن باريس  !!!  

أجل باريس !    باريس الغانية !  باريس القديسة ! باريس الضوء والحرية والفضاء المفتوح على كل شيء.

 ثم ماذا ؟…  ماذا بقي ؟…

هل من مزيد وأنت تشعر أنك لم تقل في النهاية شيئا ؟

هل من مزيد وأنت تحس أنك لم تقل الذي يجب أن يقال ؟

هل من مزيد وأنت لازلت تتساءل كيف يقال ؟

في أي شيء تريد قول المزيد ؟           

في الدين ؟…

لم يكن الدين يوما مشكلا في حياتك. أنت تؤمن أن الله موجود. أن هناك في الأفق الرحب وفي العمق الصاخب قوة خفية تتجه اليها وأنت في الغربة وأنت في الوحدة وخاصة وأنت في هذا الجبل الذي شهد طفولتك ورجولتك.

 في الفلسفة ؟…

أنت لا تعرف غير فلسفة العشق لكل جميل وفلسفة الأجداد العبقة بالحكمة والقيم الموروثة مع التراب الخصب وأشجار الزيتون. 

في السياسة ؟… 

أنت لاتعرف لغة الكذب والتلاعب بالمصطلحات … لاتعرف كيف تبيع الأحلام في أكياس بلاستيكية رخيصة. 

هو ثالوث محرم عليك بشريعة القلب الخوض في تعقيداته والضياع في متاهاته. فأنت واضح… وأنت شفاف كما كنت دائما … كما ستظل دوما. 

أنت شاعر الحب….أنت كاتب الحب..

أنت دينك الحب…فلسفتك الحب…سياستك الحب المنزه عن كل سياسة . ثم ماذا ؟

ثم ماذا يا من خانه الحب ؟ يا من ضيعته الطرقات ؟

أنت لم تعد تملك الحبر الذي يعطي لأوراقك البيضاء قيمتها المرجوة ، المرادة ، معناها المبحوث عنه ، المبحوث فيه.

أنت ضائع … ضائع…

و أنت سائر…سائر…

و هذا الجبل الذي تبحث في تلافيفه عن ذلك النور الذي صبغ بالألق أوراقك قبل المنفى الاختياري والغياب الاضطراري يبحث فيك عن نفسك.

نقطة نظام وضعها لك قبل البدء : باريس ! ؟

أم هي نقطة فوضى ؟

باريس !

ثانية ! أبدا !

باريس لم تكن يوما عاشقة لك و لا أنت عاشق لها…

باريس لم تجذبك يوما و لا أنت جذاب فيها…

باريس هي الاختيار الاخر…الاختيار المفروض…

صالونات باريس أعطتك الحرية …أعطتك البريق …أعطتك كل الضمانات. وقد حررتك من عقدك وقالت لك : أكتب.

وكتبت…

كتبت كثيرا…

لكن الاشكالية التي لايدركها غيرك أنك لا تحسن الكتابة الا من جرجرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *